الايجاب والقبول في القانون
في اطار هذه التدوينه سوف نتعرض لبحث الإيجاب في التعاقد في القانون المدني ، حيث سنتعرض لتعريفه والشروط الواجب توافرها فيه ، واحكامه وذلك علي النحو التالي :
1)) ما هيه الايجاب ؟
- هو عرض للتعاقد بطريقة جازمة وكاملة يوجهه شخص إلى شخص معين أو لأشخاص غير معينين، أو للكافة وكما تقول محكمة النقض هو العرض الذى يعبر به الشخص على وجه جازم عن إرادته فى إبرام عقد معين بحيث إذا اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد.
-ومن هذا التعريف يمكن استخلاص الشروط التى يجب توافرها فى الايجاب وهى:
2)) اشروط الواجب توافرها في الايجاب :
1- الشروط الأول: يجب أن يكون الايجاب جازما:-
يجب أن يكون التعبير عن إرادة إبرام العقد جازما أى مصمما وعازما بصفة نهائية وقاطعة بحيث لا يبقى لانعقاد العقد إلا أن يلاقى هذا التعبير قبولا ممن وجه إليه.
- متي يكون الايجاب غير جازم ؟؟
والواقع أن هذا العزم والتصميم الجازم والنهائى لا يتوافر إذا انطوى الإيجاب على:
- قيد أو تحفظ، ومثال ذلك حالة من يعرض فى الصحف عن تأجير شقته مع حقه فى اختيار من يتعاقد معه ممن يتقدمون إليه.
فمثل هذا التحفظ يؤدى إلى فقد العرض لصفته الجازمة كإيجاب وينزله منزلة الدعوة إلى التفاوض ،
- والعرض الموجه للجمهور بشأن إبرام عقد من العقود التى تكون فيها شخصية المتعاقد محل اعتباريعد دعوة إلى التفاوض وليس إيجابا، ومثال ذلك : عقد العمل، وعقد العارية، وعقد الوكالة وعلى أية حال فإن استخلاص ما إذا كان الإيجاب باتا أم لا يتعلق بسلطة القاضى التقديرية.
- ومن قبيل العرض غير الجازم ايضا :-
الإعلانات عن السلع والخدمات التى تنشر فى الصحف، وغيرها من طرق الإعلان أو ما ترسله أو توزعه بعض المحلات من قوائم الأسعار سواء للجمهور أو لأفراد معينين من الناس، فهذه لا تمثل إيجابا جازما يترتب على قبوله انعقاد العقد بل هو مجرد وسيلة للدعاية وإلى حث الناس على التعامل ، فهو يمثل دعوة إلى التعاقد .
2- الشرط الثانى: أن يكون كاملا ومحددا :-
- يجب أن يكون الإيجاب متضمنا العناصر الأساسية اللازمة لإبرام العقد المراد إبرامه، وذلك لأن الايجاب عرض يؤدى إلى انعقاد العقد متى صادفه قبول مطابق له، فمثلا إذا كان العقد المراد إبرامه هو عقد بيع فيجب أن يتضمن العرض ، حتى تكون بمثابة إيجاب تحديدا للشىء المبيع والثمن باعتباره العنصران الرئيسيان فى عقد البيع، وبتوافر هذان العنصران يمكن القول بأن العقد ينعقد إذا لاقى هذا الإيجاب قبولا مطابقا له، ودون اشتراط لبيان العناصر الأخرى كتحديد ميعاد الوفاء بالثمن، ومكانه، ومكان تسليم المبيع، وذلك لأن مثل هذه العناصر يمكن أن تحسمها القواعد المكملة .
- أما إذا تخلف عنصر جوهرى كأن لم يحدد الثمن ، فإنه لا تكتمل العناصر الأساسية للبيع ولذلك يعتبر العرض المقدم على هذا النحو مجرد دعوة إلى التفاوض وليس إيجابا، فمثلا اللافتة التى يعلقها الشخص على منزله أو سيارته متضمنة ما يفيد العرض للبيع دون ذكر العناصر الأساسية للعقد تعتبر دعوة للتفاوض.
*** وما يجب التأكيد عليه هنــــا :-
- تختلف درجة التحديد الواجب توافرها لكى يعتبر العرض كاملا تبعا لطبيعة العقد المراد إبرامه ، فمثلا الإيجاب المتضمن عرض خدمة دون بيان الثمن يعد إيجابا محددا إذا ما كانت العادة تسمح بتحديده فى وقت لاحق مثل أتعاب الأطباء.
- ويري الفقه المدني الراجح :-
الواقع أن تحديد طبيعة العرض بأنه إيجاب أم دعوة إلى التعاقد مسألة فى غاية الأهمية.
- فمن ناحية أولى: يعد الايجاب خطوة مباشرة نحو إبرام العقد إذ بمجرد القبول ينعقد العقد .
أما الدعوة إلى التعاقد فهى مجرد دعوة لحث الموجه إليه إلى التعاقد فهى خطوة نحو الإيجاب وليست خطوة مباشرة نحو إبرام العقد.
- ومن ناحية ثانية: إذ لاقى الإيجاب قبولا فليس للموجب أن يتحلل من إيجابه، إذ ينعقد العقد بهذا التلاقى ، أما إذا لبيت الدعوة إلى التعاقد فلا يترتب على تلبيتها سوى دخلو الأطراف فى تفاوض قد ينتهى إلى أن يصدر أحدهما إيجابا ويقبله الآخر وينعقد العقد، وقد ينتهى التفاوض إلى عدم انعقاد العقد، كما أن للداعى إلى التعاقد أن يرفض التعقاد ويتحلل من دعوته ولكن لا يجب أن يكون هذا الرفض بطريقــة تعسفيـــــة .
3- الشرط الثالث :- وجوب اتصال الإيجاب بعلم من وجه إليــــــه:-
- الإيجاب تعبير واجب الاتصال، بمعنى أن اتصال الايجاب بعلم من وجه إليه يعد أمرا ضروريا حتى يكون له وجودا قانونيا، أى يكون صالحا لأن يقترن به قبول وينعقد به العقد.
- ولتوضيح ذلك أن الايجاب يمر بمرحلتيــن :-
أ – المرحلة الأولى :-
- مرحلة الوجود الفعلى وهى تبدأ بمجرد صدور الإيجاب عن صاحبه، وفى هذه الحالة فإن الايجاب يظل ملكا للموجب ويجوز له العدول عنه .
- الحالة الثانية:- مرحلة الوجود القانونى وهى تبدأ منذ علم الموجب له بالإيجاب، وفى هذه المرحلة فإن الإيجاب ينتج أثره القانونى، أى لا يجوز العدول عنه ومن ثم ينعقد به العقد إذا وافق عليه الموجه إليه الايجاب.
- ووجه الاستدلال على أن الايجاب تعبير واجب الاتصال : –
1-ما تنص عليه المادة 89 مدنى بقولها “يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين” فالنص يذكر التبادل ولفظ التبادل يقتضى المبادلة ، أى يصل التعبير إلى علم من وجه إليه.
2- ما تنص عليه المادة 91 مدنى بقولها ” ينتج التعبير عن الإرادة أثره فى الوقت الذى يتصل فيه بعلم من وجه إليه” فالتعبير عن الإرادة وليكن الإيجاب، لا ينتج أثره كما تقول المادة، إلا إذا اتصل بعلم موجه إليه وهو المخاطب بالايجاب، فالايجاب دائما واجب الاتصال فهو تعبير استفزازى أو استشارى ، أى يستفز الموجه إليه ويستثيره كى يصدر قبولا مطابقا له، ولا يتحقق ذلك إلا بوصوله إلى علم الموجه إليه.
**القوة الملزمة للإيجاب:-
- لتحديد القوة الملزمة للإيجاب يلزم أن نميز بين:-
- الإيجاب وهو فى حالة وجود مادى أو فعلى ، والإيجاب وهو فى حالة وجود قانونى. :-
- الإيجاب وهو فى حالة وجود فعلى أو مادى أى الإيجاب قبل أن يتصل بعلم الموجه إليه،
- فى هذا الفرض يكون للموجب أن يعدل عنه بان يمتنع عن إصداره إلى من وجه إليه، فإذا كان قد أصدره فيمكنه أن يرسل عدولا عنه بوسيلة أسرع بحيث يصل العدول إلى الموجه إليه الإيجاب قبل أن يصله الايجاب أو يصل العدول عن الإيجاب مع الايجاب فى وقت واحد على الأقل.
- الإيجاب وهو فى حالة وجود قانونى أى أن يكون الإيجاب قد اتصل بعلم الموجه إليه،
- وهنا يثور التساؤل عما إذا كان الموجب يستطيع أن يرجع عن إيجابه، أم يجب أن يلتزم بالبقاء عليه إلى أن يقبله الموجب فينعقد العقد، أو يرفضه فيسقط الإيجاب؟
- بالرجوع إلى نص المادتين 93 و 94 مدنى يمكن التوصل إلى حكمين.
الحكم الأول:-
ويتعلق بالإيجاب الذى يقترن بميعاد للقبول ويسمى (بالايجاب الملزم) . إذا أصدر الموجب إيجابا وحدد له ميعادا للقبول ، فإن هذا الايجاب يكون ملزما له، ويبقى ملتزما بالبقاء عليه إلى حين إنقضاء هذا الميعاد:-
ولا يجوز له الرجوع فيه طوال المدة المحددة. فإن حدث أن رجع الموجب قبل انقضاء الميعاد ، فإن الرجوع يكون غير ذى أثر، وعليه إذا صدر القبول خلال الميعاد فإن العقد ينعقد ، فإن رفض الموجب تنفيذ العقد بعد أن صدر القبول الذى أدى لانعقاد العقد، فإن رفضه هذا يثير فى مواجهته أحكام المسئولية العقدية.
ويري الفقه الراجح :-
الواقع أن مجال الإيجاب الذى يقترن بميعاد للقبول أى الايجاب الملزم هو الايجاب الموجه لشخص غائب ، فهو دائما إيجاب ملزم،
فإن لم يحدد الموجب ميعاد صريحا، فإنه يمكن استخلاصه من ظروف الايجاب، إذ يستفاد أن الموجب قد قصد الإبقاء على إيجابه المدة اللازمة لوصول الايجاب للموجب له والمدة اللازمة لدراسة الايجاب التى تلزم الشخص العادى للرد على الإيجاب والتى تختلف حسب طبيعة العقد، والمدة اللازمة لارسال القبول بالطريق المناسب.
كذلك فإن مجال الإيجاب الملزم هو الايجاب الموجه لشخص حاضر أى الايجاب الموجه من شخص إلى شخص آخر يجمعها مجلس واحد ويكون الموجب قد أقرن إيجابه بميعاد للقبول فى هذا الفرض يعد الإيجاب ملزما.
- وتحديد ميعاد للقبول قد يتم صراحة .
ولا صعوبة عندئذ إذ يبقى الموجب ملتزما طوال المدة التى حددها بالبقاء على إيجابه ، إذ أن تحديد هذه المدة يدل بوضوح على مدة ألزم نفسه خلالها .
- وقد يتم تحديد الميعاد ضمنيا:
بأن يستخلص من ظروف الحال وطبيعة المعاملة ، فالايجاب الصادر ببيع سيارة تحت التجربة، أو بيع منزل مع السماح للمشترى بالمعاينة يتضمن إلزام الموجب بالبقاء على إيجابه المدة المعقولة لإجراء التجربة، أو المدة اللازمة لمعاينة المنزل.
الحكم الثانى :-
ويتعلق بالايجاب الذى لا يقترن بميعاد للقبول ويسمى بالايجاب غير الملزم.
إذا أصدر الموجب إيجابا ولم يحدد ميعادا للقبول فإن هذا الايجاب لا يعد ملزما له.
واساس هذا الحكم :-
- هو المستفاد من مفهوم المخالفة للمادة 93 مدنى التى تقرر أن الايجاب يعد ملزما فى حالة تحديد ميعاد للقبول، وعلى ذلك لو أصدر الموجب إيجابا ولم يعين ميعاد للقبول فإن املوجب لا يلتزم بالبقاء على إيجابه ويستطيع أن يتحلل منه ولكن بشرط ألا يكون الموجه إليه الايجاب قد قبله، لأن بهذا القبول ينعقد العقد .
ويري الراجح في فقهاء القانون :-
الواقع أن مجال الإيجاب الذى لا يقترن بميعاد للقبول أى الايجاب غير الملزم هو الايجاب الذى يوجهه شخص لآخر حاضرا معه فى مجلس واحد، ذلك أن الايجاب الحاضر قد يكون ملزما كما سبق أن عرضنا وقد يكون غير ملزم وذلك إذا لم يعين ميعاد للقبول، أما الايجاب لشخص غائب فهو كما رأينا ايجاب ملزم دائما على النحو السالف بيانه.