القانون الاداري مجلس الدوله

سحب القرارات الإدارية

القرار الإداري

                          

 

  سحب القرارات الإدارية

 

  • تلزم فلسفة نظرية السحب أو بمعنى أدق الرجوع في أو سحب القرارات الإدارية الفردية في القانون الإداري على الموازنة بين أمرين:

الأمر الأول:

  • احترام مبدأ المشروعية الذي يفرض على الإدارة أن تكون تصرفاتها في دائرة القانون ولا تجاوزه وإلاّ عدت تصرفاتها مشوبة بعيب مخالفة القانون.

الأمر الثاني:

  • ويتمثل في مبدأ استقرار الحقوق والمراكز القانونية للأفراد.
  • وهذا مبدأ تفرضه المصلحة الاجتماعية التي تهدف إلى توفير الحماية والاستقرار للمراكز القانونية يُمنع المساس بها إلاّ في أضيق الحدود وفقاً للقانون.

 

  •  وقد توصل القضاء إلى التوفيق بين المبدأين المتعارضين من خلال تمكين جهة الإدارة من سحب قراراتها المعيبة خلال فترة زمنية معينة (قياساً على المدة المقررة للطعن القضائي) والتي بانقضائها يصبح القرار سليماً ويلحق بالقرارات المشروعة ويأخذ حكمها من حيث اعتباره مصدراً قانونياً للحقوق المكتسبة ويمتنع على الإدارة أن تنال منه بالسحب أو الإلغاء.
  • تمييز فكرة الرجوع في أو سحب القرارات الإدارية الفردية عن تصرفات ثانوية أخرى
  • تتميز فكرة سحب القرارات الإدارية الفردية أو الرجوع فيها بأثر رجعي عن تصرفات قانونية مشابهة يتم فيها الرجوع بأثر رجعي منها:
  •  فكرة نسخ العقد في نطاق القانون الخاص

  •  فكرة الإلغاء القضائي للقرار الإداري بأثر رجعي

ونعرض لكلا الأمرين على التوالي:

أولاً: فكرة الرجوع في أو سحب القرارات الإدارية الفردية وفكرة الفسخ في نطاق القانون الخاص:

 – الفسخ في القانون الخاص من شأنه إرجاع الشيء إلى أصله.

  •  فإذا نطق القاضي بفسخ العقد أو تراضى الطرفان المتعاقدان على الفسخ، سواء أكان ذلك بموجب شرط موضوع في العقد أو بموجب اتفاق تم بعد ذلك، فإن العقد ينحل لا من وقت الفسخ فحسب بل من وقت نشوء العقد. أي أن الفسخ له أثر رجعي فيعتبر العقد المفسوخ كأنه لم يكن ويسقط أثره في الماضي لا فيما بين المتعاقدين فحسب بل بالنسبة للغير أيضاً.

 

  •  فالأثر الرجعي للفسخ يشبه في هذه الحالة الأثر الرجعي لقرار الرجوع (السحب)، ذلك أن قرار السحب يعني إنهاء تصرف الإدارة من الأساس باعتباره كأن لم يكن.

 

  •  ورغم هذا التشابه بين فكرتي سحب القرار الإداري أو الرجوع فيه وفسخ العقد في القانون الخاص، فإن هذا لا يعني عدم وجود اختلاف بينهما يتمثل في الأمور التالية:

 

  •  فسخ العقد يتم نتيجة اتفاق الطرفين أو يتم بحكم قضائي، فلا يستطيع أحد طرفي العقد الانفراد به. في حين أن سحب القرار الإداري يصدر بقرار سلطة عامة بالإرادة المنفردة للإدارة.

 

  •  الفسخ، سواء تم بالتراضي أو التقاضي، فهو جزاء لعدم وفاء أحد المتعاقدين بما في ذمته من التزام، في حين يكون قرار الرجوع تصحيحاً لخطأ ارتكبته الإدارة.

 

  • العقد القابل للفسخ يولد صحيحاً ويلحقه الفسخ بعد ذلك بسبب عدم تنفيذ الالتزامات المُلقاة على أحد المتعاقدين، في حين لا يرد قرار الرجوع من حيث الأصل إلاّ على قرار معيب منذ نشأته.

 

ثانياً: فكرة الرجوع في أو سحب القرارات الإدارية الفردية وحكم الإلغاء القضائي:

 

  •  رغم التماثل بين فكرتي السحب الإداري والإلغاء القضائي للقرار الإداري من حيث المدى الزمني والآثار المترتبة على كل منهما، وهي زوال القرار الإداري بأثر رجعي، فإن ثمة اختلافات جوهرية بين الفكرتين تتمثل في الأمور التالية:

 

  • الفارق الجوهري بين الإجراءين يكمن في أن قرار الرجوع (السحب) هو قرار إداري يصدر من جهة إدارية بناء على سلطتها العامة ويتخذ صفة تنفيذية على خلاف الحكم القضائي الذي يصدر من جهة قضائية بمقتضى ولايتها القضائية في خصومة حقيقية.

 

  • الحكم الذي يصدره قاضي الإلغاء يُعتبر جزاء لعدم مشروعية القرار الإداري ويصدر هذا الحكم بناء على طعن مقدم من صاحب المصلحة في إلغاء القرار الإداري المشوب بالبطلان، في حين أن الرجوع في القرار الإداري من جانب الإدارة قد يتم بناء على تظلم يُقدَم إلى السلطة الإدارية أو يتم بمبادرة منها.

 

  • ميعاد رفع دعوى الإلغاء في القرار الإداري المشوب بالبطلان قد يتم تنظيمه تشريعياً في قوانين مجلس الدولة في كل من فرنسا ومصر، في حين أن ميعاد الرجوع في القرار الإداري أو سحبه تحدده ضوابط معينة .

 

  • الضوابط الحاكمة لمدة الرجوع في أو سحب القرارات الإدارية الفردية غير المشروعة طبقاً لنظرية السحب:

 

وفقاً لأحكام القضاء الإداري وطبقاً لما قرره الفقه، تتمثل هذه الضوابط فيما يلي:

  • مدة إلغاء القرارات الإدارية المعيبة قضائياً هي ستون يوماً من تاريخ العلم بها بالوسيلة القانونية المعروفة (النشر – الإعلان).

  •  وبالتالي تكون المدة الطبيعية لسحب القرارات الإدارية من جانب الإدارة هي المدة السابقة (ستون يوماً) فإذا تم العلم بالقرار عن هذا الطريق ومضت المدة استحال طلب إلغاء القرار الإداري قضائياً واستحال بالتالي سحبه عن طريق الإدارة. 

  • وفي هذا الشأن قررت محكمة القضاء الإداري المصرية في أحد أحكامها: “إن العلة في جواز سحب القرارات الإدارية الفردية في ميعاد الستين يوماً، أي في الميعاد المقرر قانوناً للطعن في هذه القرارات، هي وجوب التوفيق بين ما يجب أن يكون للإدارة من حق في إصلاح ما ينطوي عليه قرارها من مخالفة قانونية وبين وجوب استقرار الأوضاع القانونية المترتبة على القرار الإداري، مع مراعاة الاتساق بين الميعاد الذي يجوز فيه لصاحب الشأن طلب إلغاء القرار الإداري بالطريق القضائي وبين الميعاد الذي يجوز فيه للإدارة سحب القرار المذكور والمساواة بين طرفي القرار في هذا الشأن…

– لما كانت مدة الستين يوماً يجوز أن ………. فإن للإدارة أن تسحب القرار في أي وقت قبل صدور الحكم في الدعوى، ولكن حق الإدارة في هذه الحالة يتقيد بطلبات الخصم في الدعوى فلا تستطيع الإدارة أن تمس القرار إلاّ بالقدر الذي يملكه مجلس الدولة عن طريق الإلغاء.

 – لا يُشترط أن تتم إجراءات الرجوع في القرار الإداري غير المشروع بصدور القرار الساحب خلال المدة التي يتعين فيها الطعن القضائي، بل يكفي أن تبدأ الإدارة في إجراءات السحب خلال تلك المدة ولو تمت إجراءاته بعد ذلك. فلا يتحتم أن يصدر القرار الإداري بالسحب في ميعاد الستين يوماً بل يكفي لتحقيق مناط هذا الحكم أن تكون إجراءات السحب قد بدأت خلاله فيدخل القرار بذلك في طور من الزعزعة وعدم الاستقرار.

– إذا كانت القاعدة العامة هي التلازم بين مدة السحب الإداري ومدة الطعن القضائي فهل هذا التلازم مُطلق؟ أجاب مجلس الدولة المصري في أحد أحكامه على هذا التساؤل مقرراً بأن: “…. لا وجه للقول بأن السحب والإلغاء أمران متلازمان فإن امتنع أحدهما امتنع الآخر. لا وجه لذلك لأن المشرع قد يرى لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة عدم جواز الطعن بالإلغاء أمام المحاكم الإدارية في قرارات معينة وليس معنى ذلك أن يمتنع على السلطة مُصدرة القرار سحبه إذا وجدت أن في هذا السحب تحقيق مصلحة عامة أو رفع غبن وقع….

  • السلطة المختصة بالرجوع في أو سحب القرارات الإدارية المعيبة

  • السلطة التي تمتلك سحب القرار الإداري المعيب أو الرجوع فيه هي السلطة التي أصدرته أو السلطة الرئاسية لها.

 

  • وفي هذا المعنى قررت المحكمة الإدارية العليا في مصر أحكام لها.

  • القيود الواردة على السلطة المختصة بالرجوع في القرارات الإدارية المعيبة

 

– إذا كان الأصل أن سلطة الرئيس تتناول جميع أعمال المرؤوس طبقاً لنظرية المركزية الإدارية، فإن المشرع قد يخرج على ذلك استثناء، فيخول المرؤوس حق ممارسة اختصاص لا يخضع للرقابة الرئاسية وحينئذ يكون حق سحب القرار غير المشروع من اختصاص المرؤوس وحده.

– أن سلطة الوصاية الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية لا تشمل حق سحب القرارات التي تصدر من السلطات اللامركزية وكل ما لها هو المصادقة أو رفض المصادقة على القرارات التي تصدر من الهيئة الخاضعة للوصاية.

 – هناك طائفة من القرارات الإدارية النهائية التي لا تملك الجهة التي أصدرتها إعادة النظر فيها إذا كانت باطلة، ذلك لأنه بمجرد إصدار هذه الهيئات لتلك القرارات تستنفذ ولايتها بحيث لا يمكن الطعن في قراراتها إلاّ بالطريق الذي نظمه المشرع. ومن أمثلة ذلك قرارات الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي (لجان الجمارك، تقدير الضرائب، القرارات الصادرة من مجالس التأديب).

–  بالنسبة للقرارات التي نظم القانون طريقاً للتظلم منها إلى سلطة أعلى، فإن المبدأ المستقر في هذا الشأن هو أنه ما لم يُتطلب القانون المُنظم لطريق التظلم الإداري استنفاذ هذا الطريق (التظلم الوجوبي) قبل الطعن أمام مجلس الدولة فإن هذا الطعن الأخير يكون مقبولاً ولو لم يستنفذ طريق التظلم.

 -وبناء على هذا المبدأ يكون للجهة الإدارية سحب قراراتها الباطلة كلما كان الالتجاء إلى القضاء ممكناً قبل استنفاذ طريق التظلم الإداري. فإذا كان الفرد قد سلك سبيل التظلم الإداري وصدر قرار من السلطة الإدارية العليا في هذا التظلم فإنه يمتنع عن جهة الإدارة الدنيا أن تتعرض للقرار لأنه يكون قد خرج عن متناول سلطتها إذ يصبح منسوباً إلى السلطة العليا فليس لسلطة دنيا تعقيب على القرارات الصادرة عن سلطات عليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى